Echo24.ma
صوتٌ في صحراء الصمت؛ لمن نكتب؟”
أصداء 24/ الرباط: بقلم أ. عبده معروف
في زمنٍ تكسّرت فيه أقلام البيان على صخور التبلّد، وتلاشى وهج البلاغة في غبار اللامبالاة، تتردد في قلب كل أديبٍ يقظٍ صرخةٌ حارقة: *لمن نكتب الشعر الفصيح إذا عزف الناس عن تذوق النثر الفصيح؟ ولمن ننسج النثر البليغ إذا لم يعد أحد يفرّق بين فصاحة البيان وسَقط الكلام؟* إنها ليست مجرد تساؤلات، بل هي أنينُ الروح في زمنٍ أضحت فيه الكلمات سلعًا، تُعرض على أرصفة التفاهة، ويُساوَم على معانيها كما يُساوم على دراهم الأسواق، …إنَّ *الأديب*، ذلك الناسك في محراب الأدب، يخطّ كلماته وكأنّه يخطّ دعاءً على صفحة ليلٍ ساكن، لا يكتب ليُصفّق له الجمهور، بل ليوقظ في النفس شيئًا نسيته لكثرة الضجيج، ترى عباراته كالماء العذب، ينساب إلى القلب دون إذنٍ، ويترك فيه أثراً لا يُمحى؛ وتراه عاشقًا للألم الإنساني، ينكأ جراح الروح لا ليزيدها نزفًا، بل ليطهّرها، كأن قلمه مرآةَ مجتمعٍ يتخبط في تيارات التحول، فيجعل من الحرف شهقة صدقٍ لا تخبو، فهل نكفُّ عن الكتابة لأن الناس لم يعودوا يصغون؟ وهل نُطفئ النور لأنّ الليل لا يحب الضوء؟ لا، لا، بل نكتب لأن الكتابة نَفَسُ القلب، وصدى الضمير، وسلاحُ الروح في زمنٍ ذابت فيه الحدود بين الترفيه والتفاهة، نكتب، لأن الكلمة الصادقة، وإن مات صاحبها، تبقى حيّة في قلب من تَلقّاها يومًا بصدق، نكتب، ولو في الصحراء، لأن كل صوتٍ نقيٍّ يرفع في وجه الصمت، هو في ذاته نصر، نكتب لأن صرخة الحق لا تضيع، وإن خنقها الضجيج، نكتب، لعلّ قارئًا يتعثر ذات مساءٍ بسطورنا، فينهض بها من غفلته، ويجد فيها نفسه وقد غاب عنها طويلًا، ….أيها الأديب، اكتب… اكتب، وإن ضاقت بك الدنيا، اكتب، فإنك بذلك تُحيي أمةً، وتغرس في الرمال بذورًا قد تُزهِر يومًا، إذا هبّت عليها نسائمُ وعيٍ لا نعلم متى تأتي، اكتب، فما خُلقت الكلمة لتُخزَن، بل لتُحرِّر العباد والبلاد، والأنفس من أجسادها الضيقة إلى عالم فسيح لا نهاية له.