اللّقّاط / قصة قصيرة

Echo24.ma

لا بد أن تكون أعصابك من حديد، وأنت تعبر هذا الطريق، وفي هذا الوقت بالذات. حركة المرور بطيئة مثل السلحفاة. توقف ثلاث مرات أو أربع في الضوء الأحمر. قبل أن يصل دوره، ويقطع الطريق، شغل شريط الغناء.
عندما يستمع إلى (نانسي عجرم)، يشعر بأعصابه تبرد،وكأنه وضعها في ثلاجة
“يا اطبطب وادلع يا يقولي انا اتغيرت عليه
انا ازعل اولع ماهو كل همه ازاي ارضيه”
ألف أن يتناول وجبة خفيفة في الخارج، ولا يعود إلى البيت إلا في المساء. لكن الأمر اليوم مختلف. لا بد أن يتناول طعام الغذاء مع حماته وصهره.
لا يريد أن يغضب مُنى في أول زيارة لوالديها. ضغط على المُنبّه. شتم سائق سيارة أجرة تجاوزه، وانحرف بالسيارة أمامه. بعض من يسوقون سيارات الأجرة أولاد الحرام، يصنعون الحوادث، ولا تأخذ منهم ما تُنظف به أسنانك. في أغلب الأحيان تجد نفسك أنت المخطئ. توقف في ضوء أحمر آخر أكثر من خمس دقائق. لا تمر بين السيارات سوى الدراجات النارية.
صوت (نانسي عجرم) لا زال يشدو:
(قولوله ده انا برده ساعات بحالات
مرة ازعل مرة اديله عيني)
وهو ينتظر أن تتحرك السيارات من أمامه، فجأة توقف شابان بجانب النافذة على اليسار. لم يشعر حتى التقط أحدهما شحمة أذنه اليسرى، وضغط عليها بقوة بواسطة مكبش، وأمره بأن يسلمه حقيبة النقود، وإلا نزع شحمة أذنه. رفع يديه، وكاد يطير من مكانه بفعل الألم الذي أحس به. مد يده بسرعة إلى جيبه، وأخرج الحقيبة، وسلمه إياها. ضغط سائق الدراجة على معدل السرعة، وتجاوز السيارات التي أمامه واختفى.
أغلق النافذة، وضغط على منبه السيارة، فتح الباب، ونزل وصرخ:
ـ اللصوص؟! اللصوص!؟
لم ير أمامه شيئا غير صف طويل من السيارات.
لا أحد انتبه، أو اهتم بصراخه. عاد إلى مكانه مهزوما.
السيارات تتحرك ببطئ. لازال يشعر بالألم في أذنه. تحسسها بيده، سال قليل من الدم على أصبعه.
ضغط السائقون خلفه على منبهات سياراتهم ليتحرك من أمامهم.
قال بغضب قال بغضب:
ـ ولد الكلب! كاد يقتلع أذني من مكانها! كان يجب أن أغلق النافذة بدلا من أطبطب مع نانسي عجرم. الآن لا بد من الذهاب إلى قسم الشرطة، وتسجيل شكاية في الموضوع، وتسلم شهادة تثبت ضياع البطاقة الوطنية ، وبطاقتي الشباك الآلي والضمان الاجتماعي.
توقف مرة أخرى في الضوء الأحمر. بعث رسالة قصيرة لزوجته، وأخبرها بأنه سيتأخر قليلا عن العودة إلى البيت بسبب زحمة المواصلات. نظر في المرآة، رأى قليلا من الدم يبس على شحمة الأذن.
قال لنفسه:
خمسمائة درهم ليست مبلغا كبيرا يمكن أن تحزن عليه. إنجاز الوثائق سيأخذ منك بعض الوقت. لا بأس! تعلم في المرة القادمة أن تغلق النافذة التي دخلت منها الريح.
لو قطع شحمة أذنك لاضطررت لصرف مبلغ كبير. أطباء التجميل جشعون. لا يرضون عنك إلا دفعت لهم مسبقا وبالملايين. الحمد لله مجرد خدش. قليل من أكسيد الحديد الأحمر، ومضمد للجراح، وسيختفي أثر الجرح.
أطفأ شريط الغناء، وشتم (نانسي عجرم)، وهذه المدينة الملعونة التي أصبحت مثل وحش مُتغوّل، لا يشعر فيها الإنسان بالأمن، لا في السيارة، ولا في البيت، أو العمل. منذ اليوم عليه أن يتعود بأن يكون دائما مثل محارب في حالة استنفار.
المعجم:
ـ (اللقاط) : كلمة من العامية تعني المشبك (البَّانس بالفرنسية).
مراكش 17 أبريل 2022